« خرج الركب العراقي - سنة 394هـ - حاجّاً إلى بيت الله الحرام زمن خوف وهلع من الأعراب وسرّاق الحجيج ، فلما فرغوا من الحج عزم أميرهم على العود سريعاً إلى بغداد وأن لا يقصدوا المدينة النبوية خوفاً من أولئك السرّاق ، فقام شابان قارئان على جادة الطريق التي منها يعدل إلى المدينة النبوية ، وقرأا : ] مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ [ ( التوبة : 120 ) ، فضج الناس بالبكاء ، وأمالت النوق أعناقها نحوهما ، فمال الناس بأجمعهم والأمير إلى المدينة النبوية فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم ولله الحمد والمنة » [1] .
إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الفرائض ، كما قال تعالى :
] قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ [ ( التوبة : 24 ) .
قال القاضي عياض عن هذه الآية : « فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجةعلى إلزام محبته ، ووجوب فرضها ، وعظم خطرها ، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحبّ إليه من الله ورسوله ، وأوعدهم بقوله : ] فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [ ثم فسّقهم بتمام الآية ، وأعلمهم أنهم ممن ضلّ ولم يهده الله » [2] .
وقد حقق الصحابة رضي الله عنهم أسمى الأمثلة في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فكان عمر الفاروق رضي الله عنه - يقول للعباس - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن تُسْلِم أحبّ إليَّ من أن يسلم الخطّاب ؛ لأن ذلك أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وسئل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه :
« كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كان والله أحبّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمأ » [3] .
وها هو عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول وهو في سياق الموت :
« ماكان أحد أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجلّ في عيني منه ، وما كنتُ أطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالاً له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ؛ لأني لم أكن أملأ عينيّ منه » [4] .
فاللهم صلّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .
________________________